Wednesday, September 10, 2008

عـــــــــــــــاوز شقـــــــــــــــة

القصة دي شاركت بيها في مسابقة على أحد المنتديات الطلابية ... النتيجة لسه مظهرتش حتى لحظة كتابة الموضوع في المدونة

المهم إنها تبسطكو ... وتفكركو أيام ما كنتو عاوزين شقة ... مع إني أعتقد .... إنكو لسه عاوزين

---------------------------------

عـــــــــــــــاوز شقـــــــــــــــة



وقفت أعدل من هندامي مبتلعاً ريقي بصعوبة وأنا أتطلع إلى هذا الباب أمامي والذي يحمل لوحة ضخمة تبدو ذات ثمن باهظ من فحوى عبارتها "قسم الوحدات السكنية بجهاز المدينة" , ابتلعت ما تبقى من ريقي بصعوبة أكبر وأنا أجزم أن بحيرات فيكتوريا كلها لن ترطب فمي الجاف من التوتر .... طرقت على الباب بهدوء ممزوج بالتردد .... ثم انتظرت ... ولكن لا رد !!


طرقت مرة أخرى بصوت أعلى .... لا رد .... رفعت صوت الطرقات قليلا لأفاجأ بسرينة إسعاف :

- ما قلنا خش يا عم الحاج .... انتو طرش ولا إيه ؟؟؟؟

تراجعت في خوف وأنا أستعد لأطلق ساقي لرياح الخماسين لولا أن عبر بمخيلتي طيف خطيبتي وأهلي ومستقبلي و الشرف والواجب والأمانة و ..... حسناً, لا بد من المحاولة .... نفس عميق آخر ثم دلفت إلى الداخل ...



لمحت في سرعة ثلاثة مكاتب ... على أولها جلست امرأة في أواخر الثلاثينات أو الخمسينات - حسنا أنت تعلم كيف هو من الصعب تخمين سن امرآة على وجه الأرض – ممسكة بموبايل وهي ترغي بسرعة الصوت , وعلى المكتب الثاني الموظف الحكومي المثالي بنظارته الأنيقة ونظرته التي تجمع بين اليأس والغل والسادية وكوب الشاي العروسة إياه , وموجهاً بصره إلى المكتب الثالث متظاهراً بالاستماع إلى ذلك الموظف الشاب الذي يتكلم عن فساد التعليم وضياع الفرصة في الوظائف والحكومة والمعارضة والانتخابات والماتش وسونيا بتاعة الليمون ...



فكرت في جزء من عشرة أجزاء من الثانية بسرعة يحسدني عليها أدهم صبري نفسه , وخمنت أن الموظف الشاب سيكون أكثر تفهما لوضعي ... توجهت نحوه وأنا أرسم ابتسامة الموناليزا وأقول :

- السلام عليكم ... لو سمحت انا كنت بسأل عن الــ ....

قاطعني بإشارة من إصبعه نحو عشماوي ... أقصد الموظف السابق ذكره وهو يردد :

- أي حاجة اسأل الأستاذ عبد المتجلي .... هوه هيفيدك أكتر ...

حاولت استعطافه :

- بس أنا بسأل على موضوع إسكان الشباب اللي ....

قاطعني بصوت هادر :

- يا أستاذ يا محترم قلتلك روح المكتب ده .... ده أهوه اللي هناك ... متحسسنيش إنك هتخبط مشوار لرمسيس ... إنتو هتقرفونا في عيشتنا ليه ؟؟؟

"آه يا بن الإيه ... اومال إيه الحكومة والتعليم والشهادات .... ده أحسن حاجة أبلغ عنك أمن الدولة ييجو يظبطوك "

هتفت بالكلمات في سري في حنق ورمقته بنظرة بغض وكره تكفي لتلويث عيد الحب ثلاث سنوات متتالية ... وتوجهت إلى مكتب الموت ... أقصد مكتب عبد المتجلي بيه ...



رسمة موناليزية أخرى .... مع تحية ظريفة :

- السلام عليكم ... صباح الخير يا جميل ....

- .............................

- كنت قاصد حضرتك في خدمة يا عبد المتجلي بيه

- .........................

- هوه حضرتك سامعني ؟؟؟

- ..........................

- لا حول ولا قوة إلا بالله .... الراجل مات يا جدعان ... مات وهوه بيأدي واجبه الوطني ... مات وهو بيحمل رسالة ... هي دي مصر ... وهما دول رجالة مصر... ولو لم أكن ...

صرخ في الموظف الشاب :

- لو لم اكن إيه ووددت إيه يا عم مصطفى كامل .... فوق بقى وبطل التربتيتة اللي انت بتعملها دي ... بدل والله ما أناديلك الأمن يرميك في العباسية نفسها ...

- بس ... بس ... الراجل بجد مبيردش ... لا يكون حصله حاجة

- حصله إيه بس الله يخرب بيتك ... هوه بس تلاقيه مهنج ...

- مهنج ؟؟ !!!!

- هز كوباية الشاي اللي في إيده وهتلاقيه فاق وبقى معاك زي الحلاوة ...

مددت يدي في توتر كمن هو على وشك نزع فتيل قنبلة نابالم ... وبيد مرتعشة هززت الكوب و ....

فجأة تحرك عبد المتجلي والتقط القلم ثم نظر إلى عيني مباشرة و .... :

- حيوان معندوش دم وبينام بالنهار بيتكون من أربع حروف ...

- نعم ؟؟؟؟

- قصدك نعامة .... بس ده طائر مش حيوان ...

لمحت الجريدة والكلمات المتقاطعة فأدركت كل شئ .... ضغطت على أعصابي بجزمة فولاذ وقلت :

- لو سمحت يا أستاذ عبد المتجلي ... تسمحلي أقطع وقت سعادتك الثمين .... وأستأذنك في كام سؤال ؟؟؟

- يووووووووه .... هوه احنا مش هنرتاح خالص في الشغلانة الهباب دب ؟؟؟

- معلش يافندم ... كلك ذوق وأنتكة .... استحملونا ... شباب صغير بأه ...

- شباب صغير ؟؟؟ .... طب قول يا عم الكتكوت .... عايز إيه ؟؟؟

- كنت بسأل يعني على وحدات الإسكان للشباب ....

- ثواني يا محترم ... أبصلك في الدفاتر إيه "المتواجد"

بينما يبحث الأسطى في عدته ... أقصد الموظف في دفاتره ... استرقت نظري إلى موظفة المكتب الأول .... ما شاء الله ... لسه بتتكلم ... أمنية حياتي أن أعرف من أين يأتون بهذا الكم من المواضيع ؟؟؟

قطع أستاذ عبد المتجلي أفكاري وهو يقول :

- للأسف يافندي .... مفيش

رددت ببلاهة :

- مفيش إيه بالضبط ؟؟

- مفيش عيش ... مفيش بنص جنيه فول ........ أكيد بقولك مفيش شقق ... خلاص ... بح ... فنشنا ...

- ازاي يافندم .... ده أنا لسه قاري الإعلان وبيقول ...

- وحدات سكنية للشباب ..... عارف .... بس خلصت ...



وقفت مسبهلاً وكأن على رأسي طائر العنقاء ذاته .... ولعابي يكاد يتساقط من فمي في بلاهة ... خلصت ازاي ... الإعلان قرأته من يومين فقط .... والحل ؟؟؟ .... والعمل ؟؟؟ ... والـــ ....



- الله يا أستاذ عبد المتجلي .... متفرفش شوية ...

التفت إلى صاحبة الصوت ... كانت الموظفة وقد انتهت من عصر التليفون ومص دماغ من على الطرف الآخر .... وهي تكمل :

- ما تبحبح على الراجل شوية ... دول لسه شباب صغير ... زي تامر ابنك كده ...

وأشارت إلى الموظف الشاب الذي كان يغط في نوم عميق .... "بقى كده ... دول عصابة ومقسمينها بقى"

أكملت شهرذاد ... قصدي الست الموظفة :

- تعالى هنا يابني ... أنا هخلصلك الموضوع ...

تهللت أساريري وأنا اتوجه نحوها في عجلة ... وشلال من الشكر يخرج من فمي :

- ربنا يكرم أصلك ويعمر بيتك ... مش عارف أشكر حضرتك إزاي ... أنا ممتن جدا ... ربنا يكتر من أمثالك ...

- على إيه يابني .... ده شغلنا ...

- يا سلاااااااااام ... وكمان تواضع .... ياريت ستات مصر كلهم زيك .... مكناش هنستورد حنان من بره خالص

- حنان اتجوزت

- ما نا قلت برضه البت دي لازم ترسى وتعقل شوية

- نعم ؟؟؟

- ولا حاجة ... حضرتك قلتي إنك ممكن تخلصيلي الموضوع ...

- أيوه .... في كام شقة كده بيبقوا هنا ولا هنا ...هشوفلك واحدة

- ياما انت كريم يا رب

انكبت على حاسبها لتقوم بالبحث وأنا اطرق على المكتب في توتر وأنقل بصري بين عبد المتجلي "اللي شكله هنج تاني" وبين تامر تيتو ننوس عين أمه والريالة تنزلق من فمه مغرقة سطح مكتبه ...

- لقيتها ....

التفت في سرعة :

- بــ .... بجد

- أيوه .... سكن لمحدودي الدخل ...

- كمان ... يعني أسعار لذيذة ...

- المساحة 62 م مربع

- مش مهم ... أهي أي حاجة على ما تفرج

- المقدم 50 ألف جنيه ....

- إيه ؟

- القسط 850 جنيه شهرياً ...

- إيييههه؟؟

- بزيادة 30% كل شهر .....

- إييييييييييييييييههههههههههه ....

لم أنتبه كيف كانت الـ "إيه" الأخيرة عالية إلا بعد أن وجدت رسالة على موبايلي من أختي في فرنسا "بتطمن عليا عشان سمعتني بزعق" ...

تمالكت ما تبقى من بقايا أعصابي المحترقة وأنا أقول :

- إيه الأرقام الخرافية دي ؟؟ واسمها لمحدودي الدخل ؟؟ ... دي لحرامية الدخل ...

- هي دي الأسعار اللي موجودة ...

- طيب مفيش حاجة تانية يا .....

- عفت

- يا مدام عفت

فجأة ... تجمدت أصابعها على الكيبورد ... ونظرت إلى بعينين محشرجتين ... وصرخت ..:

- مدام إيه جاك ستين مو في عيشتك .... أنا مادموزيل يا محترم ...

- بس النوع ده خلص من السوق من زمان ...

- نعم ؟؟؟؟

- لا .... قصدي ... أنا آسف ... معلش .... حقك على دماغي من فوق يا آنسة ...

- عالم بجحة ...

رددت في سري " عيشي على قفايا ... تلاقيكي راسمة على البوي فريند بتاعك"



عادت الأستاذة تبحث من جديد .... وراحت تمرر أصابعها ببطء شديد كمن لا يزال يتعلم النقش على جدران المعابد ... ثم التفت إلي :

- للأسف مفيش حاجة تانية ... هوه ده كل اللي موجود ...

اجتمعت كل ملامح الحزن والكآبة كما صورها فيلم البؤساء على وجهي وأنا أكلم نفسي :

- طيب أعمل إيه دلوقتي ... أفسخ الخطوبة ولا أدور على تلات شغلانات بعد الظهر ولا أنفض لأم الجواز ....

- هوه ....... احتمال في حل ...

انتفضت بسرعة وأنا أمسح عماص الحزن من عيني وأردد :

- بجد بجد يا مدا ....

نظرة متوعدة من عينيها أرجعتني إلى صوابي ....

- قصدي ..... يا مادموزيل آنسات جميلة جميلات الجيارة ؟؟؟ بجد ؟؟؟

انتشت بهذا التعبير الفلسفي المجرد وردت :

- أيوه .... في شقة 92 م

- جميل ... بس دي أكيد هتبقــ ....

- ومقدم 25 ألف

رددت في شك :

- والقسط ؟؟؟

- حاجة عبيطة .... 180 جنيه بدون زيادة ...

كدت أقفز من مقعدي لألتصق في السقف كسبايدر مان .... ووضعت يدي على قلبي لأجده يسابق أحد فهود شيتا في أحراش أفريقيا ... وتكلمت وأنا غير مصدق ...

- بجد؟ .... بجد بجد؟؟ .... ولا .... بجد ؟؟؟

- أيوه بجد (مع ابتسامة أموية لطيفة)

- يا الله .... يابركة دعاكي يا حاجة ....

- بس ....

تلاشت ابتسامتي .... وتنحت عيناي .... وبدأ خدي في إصدار حركات عصبية ....

- احم .... بس .... إيه؟

مالت ناحيتي كمن سيهمس لي بسر اغتيال كينيدي ... وقالت :

- انت عارف يعني .... لازم تراضي الناس

- ناس مين ؟؟؟

- ما هو أنا مش هعرف أجيبلك حاجة لقطة كده إلا لما أأكل الناس اللي حواليا

- آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآه .... ماشي ماشي .... طيب إيه المطلوب ؟؟؟

- يعني .... عشرين لكل واحد ...

- ومعاكو البرطة اللي ملوش لزمة اللي اسمه توتي ده ؟؟؟

- أيوه طبعا ... عشان يغطي معانا ...

زفرت في قرف ... ومددت يدي في جيبي وأخرجت ستين جنيها ووضعتها أمامها وأنا اقول :

- حلال عليكو ....

تراجعت عفة فجأة وهي تنظر إلى في دهشة ... ثم "رقعت" ضحكة من ضحكات الستات إياها :

- إيه ده يا أستاذ ...

- الله ... الستين جنيه اللي حضرتك قلتي عليهم

- ستين جنيه إيه ؟؟؟ .... أنا قصدي عشرين ألف لكل واحد

- ......................

- يعني ستين ألف جنيه ....

- .................



نظرت مسبهلا .... مسبهلاً فعلاً .... وأحسست كأنما كلمة Game Over تلوح أمامي على الشاشة ... وبدأ فكي في السقوط ...

- في إيه يا أستاذ ... ؟؟؟

قمت من مكاني ...

- يا أستاذ ....

توجهت ناحية مكتب عبد المتجلي أفندي وصوت عفت يردد :

- إنت يا محترم ... أنا مش بكلمك ...



هززت كوب الشاي الخاص بأستاذ عبد المتجلي .... فلمعت عيناه وبدأ بالاستجابة ... فبادرته :

- حضرتك بتسأل عن حيوان معندوش دم وبينام بالنهار بيتكون من أربع حروف ؟؟؟

رد في سعادة :

- أنت عرفته ولا إيه ؟؟؟

- أيوه ..... موظف ...


( مع كامل احترامي واعتذاري للموظفين الشرفاء )


5 comments:

  1. ههههههههههههههههههههههه
    بجد طريقة واسلوب حضرتك ظريفة جدااااااااا انتا تناولت اكتر من مشكلة في قصتك بمرح ينسي الهموم دي كلها تقبل مروري في مدونتك اللذيذة جدا دي :)

    ReplyDelete
  2. رائع رائع ايه الجمال ده ضحكتنى وانا متنكده اساسا

    ReplyDelete
  3. حلللللو قووووي يا يوسف تسلم ايييييدك بجد بجد :)

    ReplyDelete
  4. حلو اوى يمعلم المعلمين الله ينور عليك

    ReplyDelete

كومنت ع التهييسة