Monday, September 20, 2010

كيلو لحم بدوده

كيلو لحم بدوده
----------


عجيب هو أمر شعبنا المطحون ...
رضي بالعيش في ظروف لا يستطيع فرانكنشتين تحملها: راتب ضعيف لا يكفي نملة تأكل وجبة واحدة تُصرف لها من جمعيات المعونة، ومعاملة لا يرضى بها أحدب نوتردام نفسه، ومستقبل أشد ظلمة من لحظة انقطاع الكهرباء التي تستمر لساعات بدعوى "إصلاحات ع السريع" ...

هو نفسه هذا الشعب الذي رضي أيضا أن يتوارثه الآخرون، بداية من أمين الشرطة الذي يعتبر جيب المواطن مصدر رزقه، وجسده مصدر سعادة تعذيبية سادية ... مروراً بسائق الميكروباص المستغل، ومدير العمل المفتري، وجاره ذو اللسان الطويل الذي ينافس في طوله ثعبان الأنكوندا، والبائع صاحب ألفاظ بير السلم التي يطلقها ليل نهار، ورجل الأعمال الذي يمتص من دمه بطريقة يتقزز منها دراكولا ذاته، ومحافظه الذي يصر على حفر الأسفلت عشر مرات يوميا لأنه ينسى مقصا كل مرة في معدة الشارع، ووزيره الذي يدعى أن الموازنة "تمام التمام" رغم أن نصف موارد البلد موجودة في بنوك سويسرا بأسماء حيتان ليسوا من أبناء وطننا الشرعيين، وأنه "مفيش بطالة" رغم أن الشعب كله يعمل في وظيفة البحث عن وظيفة طوال العمر، وأن "الشعب ينعم بأحلى أيام الديموقراطية المهلبية" رغم أن سجون بلدك "بتبظ" كتلاً بشرية وأجساداً فوق أجساد لأشخاص كل ما فعلوه هو أن قالوا "لا" ...


ورغم ذلك كله ... لا يزال بعض هؤلاء التجار "الحنيين" يجدون أن شعبنا "لسه فيه حتة متهبرتش" ... لنفاجأ ذات يوم بخبر غريب فقد غرابته في بلد كل ما فيه أضحى غريباً، كمية كبيرة من اللحوم المدودة تدخل الأسواق المصرية، والحكومة تنفي ذلك بثقة شديدة كتلك التي تحس بها ممن ينفي وجود الشمس أساساً ...
ثار المثقف المصري وصرخ، وأطلق غضبه المكبوت في كل مكان مبيناً اعتراضه، ثم انطلق ليعلن عن كل ذلك لدى الحكومة، مطالباً إياها بعمل حملة تفتيش على اللحوم في كل مكان وزمان وما بينهما من أبعاد، للحفاظ على معدة مواطن مصر المفحوت ... لكن الزمن كان يخبئ لبلدنا الكثير ...


-----------------

في أحد حواري مصر الشعبية التي تمتلئ بأحبال غسيل تحمل من الملابس ما يكفي لعمل مصنع جديد للغزل والنسيج، وفي أحد شوارعها التي أخرجت الحكومة "مصارينها" منذ زمن ونسيت وجودها على خريطة جمهوريتها ... رقدت تلك القهوة العتيقة والتي وُجدت منذ أن وُجدت تلك الحارة، وعلى أحد كراسيها -التي يفتخر صاحبها بأنها مصنوعة من أيام محمد علي- جلس رجلان بسيطان يتبادلان "طراطيف" الحديث ..

- شفت يابو محمد، بيقولولك في لحوم مدودة نزلت السوق
- لحوم ؟؟ ... يعني مفرد لحمة يا عم سعيد ؟؟
- أيوه يابومحمد .. صحصح كده أومال ... اللحمة اللي بنجيبها أول كل شهرين دي ... الحمرا بنت الحـ ... ما علينا
- أيوه أيوه ... افتكرت .. مش اللي بنجيبها من عند الراجل الإتم أبو شنبات مفرودة بجيل ده اللي اسمه "عطوة" ؟؟
- عفارم عليك ... أهي اللحمة دي ... بيقولوك إن في منها نزل مدود ... بدوده يعني
- يا حفيظ ... معقولة؟ .. لحم مدود ؟ ... هي الناس فرمت ضميرها ولا إيه ؟؟
- أيوه يا عم ... ده استهبال ... أنا قولت لزكية مراتي اللحمة حرمت على بيتنا من النهاردة ... صحيح إنها لقحت بكلمتين عن "هي فين اللحمة دي يا حسرة" ، بس أنا أقنعتها إننا مش هنجيب لحمة خالص ... خصوصا إنها مش عايزة عينها التانية تورم عشان تعرف تذاكر للعيال
- طيب ... كويس ... الموضوع مش مشكلة خالص ... هوه في حد هنا عاد بياكل لحمة ... بلا بتاع
- لأ ... ده الموضوع أحسن من كده بكتير

التفت عم سعيد وأبو محمد لصاحب الجملة الأخيرة، ليجدا أستاذ حسين الموظف بمجمع التحرير، يتناول كرسياً يقربه من طاولتهما وهو يجلس متابعاً :
- ده هوه ده أحسن وقت ناكل فيه لحمة

رد أبو محمد في استنكار :
- انت اتجننت يا جدع ... بيقولك لحمة مدودة ... دوووووود يا عم ... دود
- يا عم وفيها إيه يعني ... انت بتاكل المش بإيه ؟؟
- بدوده وبواقيه وعفانته وبلاويه و ...
- احم ... خلينا في الاولانية بس ... بإيه ؟؟ ... بدوده ! ... يعني هيه هيه
- إزاي يا أستاذ حسين ... ده دوود وده دوود ...
- يعني إيه الفرق ؟
- الفرق في الشعر
- أفندم ؟!!
- لا ... قصدي، أكيد في فرق بين دودنا ودودك ودودهم
- يا عم ... كله في الآخر بيصب في المجاري ... وبعدين على رأي السيد الوالد: المعدة بتجيب ده على جنب وده على جنب ...
أطرق كلا الرجلان برأسيهما في تفكير صامت يشبه صمت السرير، بينما البخت يلعب برأسيهما الأعاجيب ... فقد بدأ العقل المصري يعمل من جديد بأقصى طاقته، محاولاً استغلال تلك الأزمة ... أنسب استغلال

----------------------

صاح المعلم "عطية" في صبيه بشراسة :
- واد يا زفت يا "رأفت" ... طلع ياض كيلو لحمة للأفندي هنا

أسرع "رأفت" من أول المحل إلى آخره جرياً – حيث ترقد المغفور لها الثلاجة – واضعاً جلبابه في فمه فبدا كما لو كان يطير راقصاً بحيرة البط ... وقبل أن يصل إلى الثلاجة كان الأفندي قد مال على المعلم هامسا له بكلمة السر "ادي القطائيط لأبوكلوة حديد" ... فما كان من المعلم إلا أن أبلغ "رأفت" عبر السرينة إياها أن : هاتها حتة مقطئطة ...

أخرج "رأفت" القطعة في حذر شديد، لفها في عشرة أكياس سوداء، ثم ناولها إلى المعلم، الذي ناولها بدوره للأفندي وهو يتلفت يمنة ويسرة في حذر الإبل التي تتاجر في "الحشيش" ...
ما إن تناول الرجل اللفة حتى همس : مش دي برضه لحمة مدودة عشـــ ...
قاطعته نظرة صارمة من عين المعلم كادت "تفلقه" نصفين، بينما المعلم يهمس بصوت الأموات المرعب: احنا مبنقولش الكلمة اللي بحروف الدال هنا ... دي كلمة محرمة دولياً
ازدرد الرجل ريقه المتحجر كحجر الصوان بينما المعلم يتابع :
- وطبعا زي مانتا عايز ... تمنها ربع التمن الأصلي ... اتكل بقى وارحمنا
تناول الرجل اللفة بيد مرتعشة ... أدار ظهره ... ثم انصرف

---------------------

وفي بيت آخر جلست العائلة على الغداء على سفرة بسيطة، يتوسطها طبق شوربة يحتوي حتى قمته مكعبات من اللحم، بينما الأب يردد وهو يمسح كفيه في استعداد حربي للـ "فرتكة":
- يلا يا ولاد ... طاقة القدر اتفتحتلنا ... عايزكو تفرمو اللحمة دي
ردت الام في قلق :
- بس يابو علي مش البتاعة دي مدودة ... وممكن تعيي العيال
- يا ولية متبقيش فقرية ... ماحنا بقالنا عشرين سنة بناكل لحمة وفي النهاية اكتشفنا إنها لحم حميري ... وأدينا أهوه صحتنا زي البمب وبنخلف
ثم ربت على كتف ابنه الأصغر "ممدوح" مداعبه :
- يلا يا دوحة ... عايزك تاكل اللحمة دي عشان تطلع راجل
- بابا ... هوه ... مينفعش أبقى راجل إلا باللحمة
- لأ يا حبيبي ... اللحمة مش شرط للرجولة ... حتى اسأل البهايم اللي ... احم ... بترعى في مراعي البلد
- بس ... يا بابا
- ولا ... أنا مش فاضيلك ... اخلص ... في إيه ؟؟
أطرق الفتى لحظةً في تفكير نسبي ... ثم رفع رأسه سائلاً في براءة الحملان المصابة بالأنيميا :
- هوه ... اللحمة ... بتتاكل منين ؟؟

---------------------

في عيادة خارجية :
العيان : ها يا دكتور ... إيه الأخبار ؟
الدكتور : لا ... متقلقش ... كله تمام ... شوية إرهاق وصداع .. هكتبلك على اسبرين و ...
- بقولك يا دكترة
- خير ؟
- هوه ... في مشكلة من اللحمة الجديدة اللي نازلة السوق ؟
- المدودة ؟؟
- لأ ... المقطئطة ... أصل المدو ... احم ... الكلمة اللي بالدال حرام
- حرام ؟؟ ... ماشي ياخويا ... على العموم أنا عملت تجاربي الخاصة، وشايف إن مفيهاش حاجة ... ممكن تاكل منها براحتك وانت مطمن
- ربنا يعمر بيتك يا دكتور .. يا مفرح قلوب الغلابة ... هوه بس ... فاضل طلب بسيط
- إيه تاني ؟؟؟
- ممكن تكتبلي روشتة بكام كيلو لحمة ... عشان الجزار مبقاش يصرف بقيقي كده
- ماشي يا عم ... وآدي روشتة للحبايب وعليها كارع هدية
بعد انصراف المريض ... دخل "رأفت" على الدكتور متخفيا، ثم مد يده بظرف وكيس أسود مرددا :
- المعلم بيقولك عفارم عليك ... الزباين عمالة ترخ
- ده الواجب وشرف الدكترة ... المهم ... اللحمة دي سليمة ولا مضروبة ؟
- لا يا دوك ... عيب عليك، سليمة بضمان عينيا
- بلاش عينيك عشان بتبربش ... خلي الضمان في حاجة أضمن


---------------------

المكان : وزارة التجارة
اقتحم السكرتير مكتب الوزير بطريقة مفاجئة جعلت سيادته "يتنطر" من الخضة ... مما دفعه للصراخ في غضب تنيني :
- إيه اللي انت بتهببه ده يابني آدم ؟ ... انت داخل مراحيض عامة ؟
التقط السكرتير أنفاسه بالكاد وهو يردد بصعوبة :
- الناس ... يافندم ... عاملة تحت ... مظاهرات
- ناس ؟؟ ... ناس مين ؟؟
- الشعب يافندم
- الشعب المصري ؟
- أيوه سعادتك
- يابني المصريين دول أغلب من الغلب ... مش ممكن يعملوا ربع مظاهرة صامتة حتى ... انت متأكد إنك مغلطتش في نمرة الشعب ... يمكن كانوا ناس تانيين ولا حاجة
- همه يافندم ... وعاملين مظاهرة عشان اللحمة المدودة
- كمان ؟؟؟ ... غريبة ... همه مش عارفين إننا أحبطنا شحنتين لحم فاسد، وبنلم المغشوش من السوق ... يعني الدنيا تمام
سكت السكرتير للحظة قبل أن يتمتم في حذر :
- ماهو ... ده اللي مضايقهم يافندم
- هوه إيه ده اللي مضايقهم ؟
- إنك بتلم اللحمة المدودة وبتمنع استيرادها ... وعاملين مظاهرة مخصوص بيطالبوا فيها حضرتك إنك "تخلي بينهم وبين اللحمة المدودة"
- نعم ؟؟
- يعني بالبلدي ... رجعلهم اللحمة ... وملكش دعوة

---------------------

في جزارة الحاج "عطوة" :
المعلم (بينما يسحب نفس الشيشة الكنتالوب) : وديت للدكتور الحاجة ياض
رأفت : زي ما قلت يا معلمي ... جبت اتنين كيلو مدودين .. بعتهم لـ "شكرية" اللي بتنقي الرز، شالت الدود وخلت اللحم ... وقلتله إنه لحم سليم
- عفارم ياض ... والمظاهرات ؟
- زقينا كام واحد أرزقجي كده، قوّم الناس على الوزارة، وطلبوا منها تسيب اللحمة ... والوزارة وافقت
ضحك المعلم في نصر ... ثم سعل حبتين ... قبل أن يلقي بكوب الشاي بتفله في فمه الواسع ... ويتابع "كركرة" الشيشة ... ثم ردد :
- شغل على مية بيضة، هوه ده الرزق ولا بلاش
- بس يا معلم ... في مشكلة بسيطة
- خير ؟؟
- الحكومة لما لقت في إقبال على اللحمة المدودة، وافقت تستوردها، بس عملت عليها ضرايب بضعف الثمن
هنا ... انتفض المعلم "عطوة" كثورٍ مصاب بالبارانويا، ملقياً بليّ الشيشة في قوة، وهاتفاً :
- حرام عليهم يا جدع ... ده كلام ميرضيش ربنا !!ه



Friday, September 17, 2010

من أجلها ... سيُضحي الأفندي


من أجلها ... سيُضحي الأفندي
--------------------

أرادأن يفتح العلبة ... وأن يجرب ذلك الإصبع الأبيض ذا النهاية الذهبية ... ليحس بتلك النشوة الكاذبة


أراد أن يضعها في فمه ... أن يتذوق دخانها ... أن ينفثه في تلذذ كأصحاب الملايين

لكنه توقف ... تذكر ما هو فيه : الحياة الصعبة والوظيفة الشاقة ... إنه يحتاج إلى صحته ...

يحتاج إلى صحته كاملة ليخدم أمه المريضة ... ليصرف على أطفاله الخمسة ... ليسد فم زوجته ذات الطلبات الثقيلة كوزنها

ليخدم مصر

مصر ؟؟؟

نظر إلى العلبة ... كتب عليها : صنع في مصر ... بأيدي مصرية ...

ابتسم ... وضع السيجارة في فمه بلا تردد ... فقد قرر أن يبدأ بخدمة بلده الحبيب

حرية ما تمت


حــــــرية ما تمــــــت
------------------------

غربت الشمس أمام عينيه مرددة لحنا صامتاً ملوناً أشبه بجوال مانجا بلدي مشعشع

التهم صاحبنا بواقي شطيرته في سرعة لا تتناسب مع جسده النحيل الذي دفع أصدقائه لمناداته بـ "اللهو الرفبع"
كرمش بواقي الورقة التي كانت تحوي الشطيرة مبتسماً في سخرية مريرة، هاهو يأكل شطيرة بالمربى والسمن في ورقة طلاقه ... يالها من مفارقة

ألقى الورقة بعيداً بأقصى ما يستطيع وكأنما يزيح تلك الصفحة من أجندة ذكرياته،
وكأنه يلقي شهادة جامعية لم تعد تلزمه لأن كل الوظائف بالواسطة،
وكأنه يرجم شيطانا في يوم التروية

أحس بالراحة والخفة ... بل إنه خفيف جداً بالفعل ...
ها هو يحلق ببطئ بعيداً عن كرسي الحديقة الذي امتطاه من دقائق ...
شعور رائع بالفعل ... دفعه للتلويح بهدوء بيديه لتساعداه على العوم أكثر في الهواء ...

ارتفع جسده النحيل في بطء وقور،
صنع مع لحظة الغروب مشهداً درامياً جعل ما يحدث أقرب إلى أحد أغلفة "دي سي كوميكس" لعدد سوبر مان الأخير ...

أحس بطاقة كامنة تجتمع في كعب قدمه الذي هراه بالفازلين،
أحس بنفسه يأخذ "واحد استعد" لينطلق إلى الفضاء الرحب ...
تراجع في الهواء نصف متر ليبدأ الانطلاقة الأسطورية و ...

فجأة ... هناك من يمسك قدمه بشدة .... يسحبه إلى الوراء الأزلي، إلى نهاياتٍ سحيقة ...
التفت، ليجد ظله يرتبط به كلزقة "أمير" انفجرت للتو بين أصابع طفل صغير ...
بينما علت وجهه – الظل لا صاحبنا – تلك الابتسامات المحببة لرواة قصص الرعب، الابتسامة التي يصفونها بصف الأسنان الحاد واللسان الثعباني وصوت الفحيح المخدر للآذان ...

انتابت صاحبنا رعشة قلق خفيفة، لكنها انتقلت عن طريق ظله إلى الأرض محدثة زلزالاً رهيباً ...
هنا أدرك أنه يرتجف خوفاً ...
كافح ليهرب ... كافح لينطلق من جديد إلى الفضاء السرمدي ... حيث النجوم والأقمار و"النايل سات" ...
تذكر الآن حلم حياته بالوصول للنايل سات لينتزع بنفسه القنوات الفقيعة التي تدعي – جورا وبهتاناً وبيع كلام – أنها تتحدى الملل ...

تذكر ذاك الحلم ... فزاده ذاك إصراراً على الإنطلاق المطلق بطلقات التطليق المطلقة لامرأته 3 طلقات بائنة ....
صرخ في وحشية وحاول انتزاع قدمه ...
حركها بشدة ... لكن الظل زاد شراسة وسحباً ...
زاد جره لصاحبنا الطائر المعلق في الهواء في نفس الوقت الذي لمح فيه الأخير كرسي الحديقة ينبثق عن فجوة سوداء تبتلع كل شئ من حولها

ياللهول !! ... إنها كبيرة ...
لم يرى في حياته فجوة سوداء إلا تلك التي تعرضت لها إحدى عينيه من جراء فازة ألقتها عليها زوجته ذات صباح روتيني ...
لكنها هذه المرة كبيرة ومفزعة بحق ... أخذ يقاوم ويحاول الخلاص ... بينما تحولت زمجرة ظله إلى صراخ يائس بعد أن لمح تلك الفجوة الجائعة ...
فتعلق ظله به في خوف وتوسل، بينما هو يحاول جاهداً الخروج من مجال تلك البالوعة التي تذكره بضربات مجاري حارته ...

حاول وحاول ... جاهد ليطير بعيدا ... بينما فجوة كرسي الحديقة "تهبر" كل ما حولها ...
أشجاراً وبيوتاً ... سياراتٍ وصفائح قمامة ... حتى الألوان الـ "آر – جي – بي" بدأت بالانسحاب من حوله "مدلوقةً" في الفجوة سابقة الذكر والتحضير ...

خارت قواه ... ذهب حلمه ... زاغت عينه السليمة لأن الأخرى لا زالت تعاني من ضربة الفازة إياها ...
قل تنفسه حتى أصبح يحاكي التنفس من خيشومة واحدة لضفدع "لسه فاقس" ...
هنا ... ابتسم ابتسامة المرارة نفسها .. و ... سقط في الفجوة ...

--------------

هل مات ... لا يعلم ...
لكن لو أن هذا هو الموت فهو مظلم حقاً ...
أين النور ؟؟ ... هل هو في الجحيم ؟؟ ... لا، فثمة تيار هواء بارد نوعاً ما ...
وحسب معلوماته فالجحيم يحتوي لهيباً مذيباً للجلود ...

يسمع بعض الأصوات ...
يشم رائحة عطر بارفان ... لا .. مهلاً ... إنها رائحة يعرفها جيداً ...
ذاك العطر الحريمي الذي كان يعشقه عشق كليوباترا لجمالها، ثم أضحى يكرهه ككلب يخشى الاقتراب من البانيو ... إنه لإنسانة يعرفها جيداً ... إنها ...

- ألف سلامة عليك يا روحي !!

جملة تحمل من القلق والتشفي في نفس الوقت ما دفعه إلى فتح عينيه بسرعة وفزع، ليطالع وجه زوجته الجميلة بابتسامة يعرفها جيدا ...
ابتسامة ظل خنيق فحت !!



من بين صوابع رجلي

نصيحة : بلاش اللي بيتقرف يقرا ... جاست أ وورنينج

----------------
من بين صوابع رجلي
----------------



العبث في أصابع القدمين ليس عادةً صحيةًً بالتأكيد
إلا لو كنت تتعمد نقل تلك المزرعة الجرثومية - والتي تكونت في أصابع قدميك نتيجة ارتدائك المستمر لنفس الجورب البالي لمدة أسبوع كامل- من قدمك المتشققة إلى أصابع يديك الملوثتين بغبار السنين وبواقي طبق الفول بالبيض وشخبطات القلم الفرنساوي، بغرض دراسة عوامل التحلل البيولوجي لخلايا الشم بأنفك الفاضلة بعد تعرضها للإشعاعات العفن-ذرية سابقة الذكر...


أعلم هذا بتيقن يكاد يقترب من يقين حكومتنا بوجود مستشفى حكومي ومدرسة مشتركة وشارع مرصوف في قرية "المناجل" تخدم كل أفراد القرية
رغم أن القرية مهجورة منذ إنشائها بسبب عوامل توسعة الطريق الدائري الذي توقف بدوره لأن "المونة" لا تكفي إلا لعمل "تقفيصة" حمام على سطح العمود الخرساني الوحيد المتبقي من صديقنا الدائري ...

المهم، أنه رغم ثقتي هذه، إلا أني استمررت في تدليك أصابع قدمي الواحدة تلو الأخرى في تلذذ طفولي سادي، كما لو كنت اقوم بعمل مساج لكلب أعور ذي عمود فقري بثلاث فقرات بائنات للضرر ...
ربما يرجع ذلك لأنه يعطيني شعوراً زائفاً بنظافة مؤقتة دون تدخل للماء أو – الشر بره وبعيد – للصابون الـ "جوود أفترنوون" ... فكلاهما يسبب لي حساسية مفرطة، تجعلني أحرك عيني اليمنى في حركات عصبية مشابهة لتلك التي أصابت دجاجتنا العزيزة "فريدة" عندما لمحت سكين أمي يشق طريقا ناعماً محمَرَ الجوانب في رقبتها ناصعة البياض ...
فلتموتي عزيزتي "فريدة" على محراب موقدنا، فقد آن لكِ أن تكوني قربانا لمعدة عائلة من "زومبي" الدجاج

أتلذذ بتذكر طعم المرحومة ... بينما لا أزال أدلك أصابعي في ذات النشوة الروحية العابرة، أغمض عيني في انسجام وأنا أتحسس تلك الفطريات المتطفلة بين مغارات أصابعي، كـ"علكة" انحشرت بين خصلات "ذات الشعر الذهبي " محيلة إياه إلى "كولكيعة" عضوية من الشعر والأتربة والقاذورات المهجنة، تاركة لنفسها النمو في وقاحة فجة وكأنها سلطان حكم أصابع قدمي بالأغلبية الساحقة ...
لكني أبدأ على الفور وبلا تردد، ملحمة "الصنفرة" الأثيرة، لأقوم - وباستخدام أظافري المخلبية - بإزالة كل تلك البقع الطفيلية الملتصقة هنا وهناك، بينما فرق اغتيال أظافري تجوب خنادق قدمي مصفية كل العناصر المتمردة من بقايا الطفيليات المنسحبة والمتدحرجة على بطون أصابع قدمي ... إنها ذروة النشوة ...

يا سلااااااااام ... يكاد المرء يحس باختفاء جبال العفن البيضاء تلك من تلال قدمه البارزة ...
بينما "الدعكات" الأخيرة لبينيات الأصابع توصلك إلى مرحلة ما بعد السكرة المتجلية ...
آخذا شهيقا بطيئاٍ محسوباً، كما لو كان كل ملليميتر مكعبٍ منه يحمل نفسك الأخير في الحياة بما يمنحك حق الاستمتاع به عن آخر قطرة ...

ذهب الخدر ... وجاءت الراحة ... واستسلمتُ لأصابع يديّ ...
ثم ...
تلفتُّ حولي في حذر، متيقنا أن كل العيون منشغلة عن لوحة وجهي، ومتأكداً أن حركاتي لن تلفت عيناً ليست في جسدي ...
تأكدت، ثم سحبت أصابعي إلى أنفي مستعداً لخدر جديد، واشمئزازٍ ممتع، و ...

- بتعمل إيه عندك يا ... يا ... يا ديرتي يا حيوان انت ؟!!!

سحقاً ... لقد لمحني أحد التتر ... لم تكن دفاعاتي كافيةً بحيث تضع في اعتبارها تلك المزعجة ذات عوينات الصقر الزجاجية ...
التفَتُّ ورائي ... مصطنعاً بسمةً حمقاء كتلك التي تراها على وجوه الفتيات حين يحدثن فتىً لا يعرفنه لأول مرة :

- مفيش ... أنا معملتش حاجة

رفعتُ رأسي أكثر حتى أستطيع استيعاب هذا الجبل الوحشي "الفافي" في عيني الصغيرتين :

- أنا ... كنت بلعب بس ... يا ميس "رغدة"

وكعادة كل "الميسات" في هذه الحضانات، لم تمنع ميس "رغدة" عصاها العزيزة من تقبيل جسدي الصغير في كل "حتة ومتة" بضرب يشبه زغزغة الفراشات لفيلٍ أفريقي يلعب السومو مذ كان عجلاً صغيرا في بطن أمه النعامة المترملة عن تمساح معدوم الأسنان ...

سحقاً "أجين" ... كم أكره حضانة "بيبي ستارز كوتوموتو" الفافي هذه

أكرهها من كل "صوابعي"


نهاية سعيدة ... هابي إندينج

نهاية سعيدة ... هابي إندينج
---------------------------

النهاية الهابي ... من الممكن أن تجدها في آخر صفحة في كتاب الروايات الذي لا يفارق جيبك حتى أضحيت كدودة القز ... أو قد تعثر عليها قبل تترات نهاية الأفلام، وخصوصاً الرومانسية منها، إذا كنت من النوع الذي يبكي حتى النخاع لأن إصبع البطل اتعور واوا و(بيخر دم) ... وقد يسعدك الحظ وتسمع عنها في أحد قصص أقربائك الخيالية بأنه تزوج وعاش (هابيلي إيفر أفتر)

حسناً عزيزي قارئ السطور (اللي هوه حضرتك) ... لا أريد أن أصدمك ... ولكن ... يجب أن أصدمك صدمتين تلاتة أربعة ...
ماذا ؟ ... لا لا لا ... لن أخبرك أن النهايات السعيدة لا وجود لها في عالمنا ... لكني سأحاول أن أكون أكثر تحديدا لهذا الـ "عالم"
ففي دول العالم شرقها وغربها، غنيها وفقيرها، وردت في كتب الدراسات أم لم يذكرها المؤلف لصعوبة نطقها ... في كل هذه الدول توجد نهايات سعيدة ممتدة بلا شروط للبعض، وبالصدفة للبعض الآخر، و "عمال على بطال" لفئات أخرى ... أما في مصرنا الحبيبة، فيستلزم الأمر موافاة كراسة شروط وتجاوز كشف الهيئة حتى تكون أحد هؤلاء المحاظيظ الهابي ...
وطبعا لمعرفتي بمشغولياتك الكثيرة الهامة التي ترقى بالأمة بداية من "دور بلاي ستيشن وينينج إلفن"، مروراً بمسمسل "برعي وتفيدة" البالغ من العمر مائتي حلقة ونص، وانتهاءاً بمائدة العشاء المتخمة بمسببات الحموضة حتى الوفاة ... فإنني ولهذه الأسباب أسوق إليك على عجل و "بسكلتة" دليلك القومي للنهايات السعيدة في بلدنا المصونة ... والتي بموجبها تحصل على "كريديت" سعادة سبيشيال :

--------------

أولا : شروط يجب توافرها :-

1- أن تكون عضوا بأحد أحزاب الدولة التي تتكون من : الحزب الوطني، الحزب الوطني، أو الحزب الوطني
2- أن يكون أحد والديك أو كليهما نائبا بمجلس الشعب أو الشورى، أو أن يكون وزيراً أو رئيس وزراء أو رئيس .... احم ... بلدية ... ويمكن قبول أبناء العومد (جمع عمدة) والغفرا (جمع غفير) بشرط وجود شهادة من اتنين أمريكان إنك مصري
3- أن لا يقل صافي أملاكك عن عربية تمليك 2010 وفيلا وشاليه ... وألا يقل عدد ملايينك عن صوابع غيديك ورجليك ... وألا يقل عدد مريديك عن حمولة 10 عبارات سلام من المواطنين

-------------

ثانياً : شروط "بتمشيلك المصلحة" لمن لا تنطبق عليه الشروط العلوية :-


1- أحد أقربائك من الدرجة الأولى يعمل ضابطاً بالشرطة أو وكيل نيابة ... عشان اللي له ظهر ميتضربش على قفاه، وميتعلقش من رجليه ويتعبط في القسم
2- يجب أن تسير دائما وجيبك عمران خمسات فكة ملفوفة، فستقابل من الكمائن ما يشيب له شعرك، لكن جميعها تحوي عددا من مستقبلي الإكراميات يكفي لأن يصنعون لك موكبا من هنا للحسين ... هنا ستجد فائدة جوانات الخمسة الفكة
3- كلما قابلت مشكلة أو دخلت في خناقة ... ارفع صوتك كحامي حمى مصر القديمة والجديدة والاستعمال الخفيف صائحاً : "انت بتخرف بتقول إيه ؟؟ ... انت متعرفش أنا ابن مين في مصر؟؟ " ... طبعا الإجابة صعبة، لأن التخمين من بين 80 مليون جثة تعيش في نفس البلد يجيبلك هَس في دماغك
4- قم برشوة أمين الشرطة، والمحامي، وقاضي الاستئناف ... قم برشوة كل من حولك .... وقم بجريمتك وأنت مطمئن ... حتى لو كانت إشعال النار في شقة قمت باستئجارها، ثم ادعاء أنها ملكك وعرضها للبيع بعد ذلك ... وكن مطمئنا، لن يحاسبك أحد لأنهم جميعا "واكلين من فضلة فضلاتك"
5- لا تحاول القفز إلى "ليفل" أعلى منك ... بمعنى، لو كان ظهرك "رائد شرطة" فلا تحاول ان تنكش "عميد"، ولو رشوت "أمين مرور" ببريزة فلا تدفع أقل من خمسيناية في حضرة سيادة الضابط ... وعلى قد لحافك مد ما تبقى من صباع رجلك الزغنتوت
6- لا تتكلم أبدا في السياسة، ولا في السياسيات، ولا في التأسيس، ولا في أي من مكونات الفعل "أسس" حتى لو كان بدعوى إلقاء محاضرة عن "أثر الحضارة الرومانية في (الأساس) الحديث"
7- خليك يابني جنب الحيط، الزق فيه ... ولو شالوا الحيط ابنيلك طوبتين على بعض واقف جنبهم ... حيطتك هي حياتك، فامسك فيها بإيديك وسنانك
8- كن دلدولاً مدلدلاً لأصحاب النفوذ، تمحك فيهم قدر استطاعتك ... واستخدم قاموس "النفاق ... دليل وصول كل أفّاق" للتعبير عن إعجابك بكل "تفّة" تخرج من فمهم الموقر ... وابتذل وتبذل حتى لو وصل الأمر إلى لحس الجزم الريدوينج

------------------

وختاماً ... يجب التنبيه على كل شريف شايف نفسه "ابن ناس ومش بتاع حرام" أن البلد مش هتسعه معانا، وبالتالي نطالبه بأن يحل عن نافوخنا متوجها إلى دولة أخرى توزع النهايات السعيدة لكل من لديه طموح، بدل أن يطول به الأمر منتظراً إياها في طابور الجمعية.

إلى هنا ... نكون وصلنا إلى أهم توصيات ورقة "نهاية سعيدة للحبايب" على هامش "المؤتمر العام لنصرة المواطن المصري الموشك على الانقراض" ... مع وعد بصدور فيرجينات جديدة بمجرد ظهور أي طارئ أو عصام أو حسين جديد ...

مع الشكر المفروش بالهابينيز للجميع