Friday, September 17, 2010

حرية ما تمت


حــــــرية ما تمــــــت
------------------------

غربت الشمس أمام عينيه مرددة لحنا صامتاً ملوناً أشبه بجوال مانجا بلدي مشعشع

التهم صاحبنا بواقي شطيرته في سرعة لا تتناسب مع جسده النحيل الذي دفع أصدقائه لمناداته بـ "اللهو الرفبع"
كرمش بواقي الورقة التي كانت تحوي الشطيرة مبتسماً في سخرية مريرة، هاهو يأكل شطيرة بالمربى والسمن في ورقة طلاقه ... يالها من مفارقة

ألقى الورقة بعيداً بأقصى ما يستطيع وكأنما يزيح تلك الصفحة من أجندة ذكرياته،
وكأنه يلقي شهادة جامعية لم تعد تلزمه لأن كل الوظائف بالواسطة،
وكأنه يرجم شيطانا في يوم التروية

أحس بالراحة والخفة ... بل إنه خفيف جداً بالفعل ...
ها هو يحلق ببطئ بعيداً عن كرسي الحديقة الذي امتطاه من دقائق ...
شعور رائع بالفعل ... دفعه للتلويح بهدوء بيديه لتساعداه على العوم أكثر في الهواء ...

ارتفع جسده النحيل في بطء وقور،
صنع مع لحظة الغروب مشهداً درامياً جعل ما يحدث أقرب إلى أحد أغلفة "دي سي كوميكس" لعدد سوبر مان الأخير ...

أحس بطاقة كامنة تجتمع في كعب قدمه الذي هراه بالفازلين،
أحس بنفسه يأخذ "واحد استعد" لينطلق إلى الفضاء الرحب ...
تراجع في الهواء نصف متر ليبدأ الانطلاقة الأسطورية و ...

فجأة ... هناك من يمسك قدمه بشدة .... يسحبه إلى الوراء الأزلي، إلى نهاياتٍ سحيقة ...
التفت، ليجد ظله يرتبط به كلزقة "أمير" انفجرت للتو بين أصابع طفل صغير ...
بينما علت وجهه – الظل لا صاحبنا – تلك الابتسامات المحببة لرواة قصص الرعب، الابتسامة التي يصفونها بصف الأسنان الحاد واللسان الثعباني وصوت الفحيح المخدر للآذان ...

انتابت صاحبنا رعشة قلق خفيفة، لكنها انتقلت عن طريق ظله إلى الأرض محدثة زلزالاً رهيباً ...
هنا أدرك أنه يرتجف خوفاً ...
كافح ليهرب ... كافح لينطلق من جديد إلى الفضاء السرمدي ... حيث النجوم والأقمار و"النايل سات" ...
تذكر الآن حلم حياته بالوصول للنايل سات لينتزع بنفسه القنوات الفقيعة التي تدعي – جورا وبهتاناً وبيع كلام – أنها تتحدى الملل ...

تذكر ذاك الحلم ... فزاده ذاك إصراراً على الإنطلاق المطلق بطلقات التطليق المطلقة لامرأته 3 طلقات بائنة ....
صرخ في وحشية وحاول انتزاع قدمه ...
حركها بشدة ... لكن الظل زاد شراسة وسحباً ...
زاد جره لصاحبنا الطائر المعلق في الهواء في نفس الوقت الذي لمح فيه الأخير كرسي الحديقة ينبثق عن فجوة سوداء تبتلع كل شئ من حولها

ياللهول !! ... إنها كبيرة ...
لم يرى في حياته فجوة سوداء إلا تلك التي تعرضت لها إحدى عينيه من جراء فازة ألقتها عليها زوجته ذات صباح روتيني ...
لكنها هذه المرة كبيرة ومفزعة بحق ... أخذ يقاوم ويحاول الخلاص ... بينما تحولت زمجرة ظله إلى صراخ يائس بعد أن لمح تلك الفجوة الجائعة ...
فتعلق ظله به في خوف وتوسل، بينما هو يحاول جاهداً الخروج من مجال تلك البالوعة التي تذكره بضربات مجاري حارته ...

حاول وحاول ... جاهد ليطير بعيدا ... بينما فجوة كرسي الحديقة "تهبر" كل ما حولها ...
أشجاراً وبيوتاً ... سياراتٍ وصفائح قمامة ... حتى الألوان الـ "آر – جي – بي" بدأت بالانسحاب من حوله "مدلوقةً" في الفجوة سابقة الذكر والتحضير ...

خارت قواه ... ذهب حلمه ... زاغت عينه السليمة لأن الأخرى لا زالت تعاني من ضربة الفازة إياها ...
قل تنفسه حتى أصبح يحاكي التنفس من خيشومة واحدة لضفدع "لسه فاقس" ...
هنا ... ابتسم ابتسامة المرارة نفسها .. و ... سقط في الفجوة ...

--------------

هل مات ... لا يعلم ...
لكن لو أن هذا هو الموت فهو مظلم حقاً ...
أين النور ؟؟ ... هل هو في الجحيم ؟؟ ... لا، فثمة تيار هواء بارد نوعاً ما ...
وحسب معلوماته فالجحيم يحتوي لهيباً مذيباً للجلود ...

يسمع بعض الأصوات ...
يشم رائحة عطر بارفان ... لا .. مهلاً ... إنها رائحة يعرفها جيداً ...
ذاك العطر الحريمي الذي كان يعشقه عشق كليوباترا لجمالها، ثم أضحى يكرهه ككلب يخشى الاقتراب من البانيو ... إنه لإنسانة يعرفها جيداً ... إنها ...

- ألف سلامة عليك يا روحي !!

جملة تحمل من القلق والتشفي في نفس الوقت ما دفعه إلى فتح عينيه بسرعة وفزع، ليطالع وجه زوجته الجميلة بابتسامة يعرفها جيدا ...
ابتسامة ظل خنيق فحت !!



No comments:

Post a Comment

كومنت ع التهييسة