Tuesday, September 30, 2008

نشوة .... دموية

بدأتها ... كوميدية ... لكن لا أعلم ما هذا الذي انتهت إليه ؟؟ .... ما أعرفه أنها تعبر عن العديد من المشاعر الداخلية الآن

سامحوني إن لم تأتي بمعنى مفهوم


---------------------------------------------------------

"وي آر جوينج تو داي"
نطق الرجل الانجليزي بالعبارة وهو يرتجف في خوف دفعه لأن يلتصق بجسدي باحثا عن دفء أمانٍ زائف, بينما رائحة فمه الغارقة في البيرة تصل إلى أنفي المجبر على التنفس فتحيل حياتي جحيما ... نظرت إليه بتقزز بالغ وتسائلت في سري : طب عاملين فيها رجالة ليه من الأول ؟؟؟

تطلعت إليه ثانية ... كم هو مثير للشفقة ... لكنه بالفعل, إنجليزي ... حتى جلسته الخائفة لا زال فيها طابع الارستقراطية المعروف , بسيجارته التي لا تزال مشتعلة بين أصابع يده المرتجفة ... نظراته الحائرة ... تحس فيها بــ "عز ابن الناس " المتربيين على الغالي ... ارتجافته ... تجاهد في كبر واضح حتى لا تنتقل إلى عظامه ... لكن الأمر تجاوز كل جدران شجاعته

قطع حبال وأسلاك أفكاري صوت الرصاص المتطاير في كل مكان ... والذي أستطيع أن أجزم أنه قد صنع ثقبا في كل 3 مليمترات في تلك الصخرة التي نقبع خلفها ... حتى لقد أضحى يشبه غربال ستي الله يرحمها ...

لحظات الجمود .... حينما يعدو كل شئ من حولك وتقف أنت مجمدا في زمانك ... لحظات التوتر ... تستطيع معها عد أنفاسك المتسارعة ودقات قلبك الثائرة ... لحظات التأمل ... يقترب الخطر لدرجة لا تحس معها بأي خطر ... غير احتمال لوجود صدمة من فاتورة الكهرباء القادمة لأن المدام أصرت على موضوع التكييف ... وعندما حاولتَ الاعتراض كانت سكينة بعمق 20 سم مغروسة في ذراعك ... هذا بالطبع لأن قصرها –المدام لا السكين- منعها من الوصول لرقبتك ...

صاروخ سكود آخر يقطع افكارك المسترسلة التي لن ينفع فيها أي خياطة ولو أتيت بعم حسن الرفا ذاته ... ولا يزال ذاك الوغد الانجليزي يزيد من تشبثه بذراعي مع كل صوت ناموسة تعبر من جواره ...

أزحته برقة مصطنعة, لكنها أبت إلا أن تطرحه خمسة امتار بعيدا عني حتى أوشك على الخروج من خلف تلك الصخرة ... فتحت جانب سترتي لأخرج "حسونة" الصغير ... تأملته ولمعان النيران ينعكس على اسطوانته الفضية ... وفوهته تكاد تزأر مطالبة بالمزيد من الفرائس .. كم أحب هذا المسدس ذي الألف طلقة ... يسمح لي ببعض المتعة في هذه الأجواء المملة ...

ربتُّ عليه بحنية ... وتأكدت أن عدد طلقاته كامل ... ألف طلقة ستسمح لك بالاستمرار في الضغط على الزناد دون مبرر ...

ابتسامة شيطان أحدب أفرج عنه للتو بعد رمضان ... شعور داخلي أسود باللذة ... وحش ثائر يود الخروج ليلتهم حلة محشي كاملة دون تكريعة واحدة ... قمت من مكاني ... التفت إلى الصخرة ... رفعت فوهة مسدسي ... ذاك الفافي الانجليزي يمسك بقدمي ... يكاد يقبل حذائي :
دونت دو إيت ... بليييز .... بليييييييييييييييييييز ؟؟؟

إزعاجه يمنعني من التركيز ... تذكرت مقولة عم عبده البواب في سهرات الصيف الحارة .. تخلص دائما من الذبابة المزعجة, لتكمل نومك ... أنزلت مسدسي إلى جبهته ... وتركت مكانا لعين ثالثة ... تبا ... أصر ذلك الوغد أن تجد دمائه طريقها إلى بنطالي ... أم العيال لن تسمح لي بدخول المنزل الليلة ... هذا إن عدت بنصفي الأسفل أساساً ...

حسنا ... عاد الهدو النسبي ... ما زال هناك بعض الضوضاء المنبعثة من الخلف ... أخذت نفسا عميقاً, أغلقت عيني في استرخاء, مارست تمرينة يوجا على السريع لعمل الرفريش اللازم ... ثم ... رفعت مسدسي ... وضغطت بقوة على الزناد ... لتنطلق رصاصاتي في كرم شديد ...أحال تلك الصخرة الآن إلى مجرد رماد ... وانقشع ضبابها موضحاً الرؤية المبدئية لخبير مثلي ...

مائتي جندي مقاتل ... أربعون مركبة ذات مدافع طويلة المدى ... مروحيتان ... وأخيرا ذاك الروبوت ...

ما إن رأوني حتى توجهت الأسلحة جميعها نحوي ... إنني الهدف, إنني الغاية, إنني المنشود ... بإمكانهم أن يعيشوا ... أن يغرقوا في ثرواتهم حتى النخاع ... أن يعودوا لزوجاتهم وأبنائهم ... أن يتنفسوا من جديد ... فقط إذا تخلصوا مني .... فقط .... إذا استطاعوا

لم يضيعوا وقتا ... الجبناء ... الجميع يريد استغلال الوقت ... تماما كما فعل ذلك الجرذ الارستقراطي منذ قليل .... حين اعتقد أنه يستطيع أن يعقد صفقة معي ... لعلها كانت أسهل مع شيطان من بعد كوني آخر .... لكن ليس معي ...

الحماس يشتعل في أعينهم المتوترة , أصابعهم متحفزة على الزناد وكأنه مفتاح بوابة الخلود , أصواتهم تعلو في وحشية آملين في بث بعض الرعب ... ثم ...أطلقوا رصاصاتهم, صواريخهم, قنابلهم, جميع ألعابهم .... إنه يوم المرح بالتأكيد ..

تأملتها ... تأملت الرصاصات ... تأملت الموت ... تأملت ذاك الجحيم الذي يهب كالعاصفة ... كلها تتمنى ضربي, سحقي, فنائي ... فتحت صدري, كأسد يتلقى آخر الرماح في حلبة مصارعة رومانية ...

رفعت ذراعي .... أحتمي ... وأنا أعلم أن أنيابهم ستطولوني .... اخترقت الرصاصات ساقي اليمنى من الفخذ لتتفجر منه الدماء ... وانهال مجموعة أخرى على ذراعي وجزء من صدري بحثا عن مكان يستقر فيه ... بينما اندفع صاروخ ناحية معدتي وآخر في وجهي ... ثم ... ألم ... نعم ... ألم لذيذ ... ولكنه مؤقت ... تحاملت ... كم أحب هذا الشعور ... أن تغلب ألمك ... أن تصرعه ... دعه أولاً يسري في جسدك ... دعه يأكل من لحمك .. دعه يعش نصره ... ثم اقضي عليه ..و... قف على قدميك من جديد ...

بدأت الاستعداد للوقوف, ولكن ... لا مفر ... الإصابة شديدة ... ماذا حل بك؟ لا تخدع نفسك ... من ذا الذي يخوض ثلاثة أيام من المعارك المتتالية بلا راحة, ثم يطمع أن يكون في صحة رامبو ووسامة كروز وابتسامة أوباما ...

مع ذلك, نهضت بتحامل ... الدماء تسيل بشراهة كما لو أن نهرا وجد طريقه بين بعض الصخور المتهالكة ... لا زلت أحس بلهيب تلك الطلقات ... أشعر بها تصهر لحمي لتندمج معه في ألفة كمن اعتاد أكل الفسيخ في العيد ... صداع بسيط في رأسي سببه ذاك الصاروخ اللعين ... سأضطر لتناول حبتي أسبرين هذه المرة بدلاً من واحدة ....

اعتدلت ... وقفت أنظر للسماء ... ألمح تلك السحب الجميلة .... خسارة أنها ستظلل أرضا ترويها الدماء بعد قليل ... نظرت في وجوه كل هؤلاء ... هم في حيرة, يتراجعون, خائفون ... ينظرون إلى وجهي الذي دمره الصاروخ بتقزز وذهول .. يرددون ... إنه ليس بشريا ... ليس عاديا ... إنه ... وحش ... يالهم من حمقى ... كل ما في الأمر أني عربي ... نفسٌ عميق ... ثم رفعت "حسونة" , وضغطت الزناد ... لقد ضغطت , وضغطت, وضغطت ... لقد أطلقت الكثير ... لقد دمرت أكثر ... لم أتوقف ... حتى سمعت التكة ... معلنة انتهاء الألف رصاصة ... وانتهاء معركة غير متكافئة ... مائتي جندي فقط ؟؟؟ يا لها من مهزلة ... إنهم يستقلون من قدري ...

لا يهم كل ذلك ... أزلت في لا مبالاة ذلك الجزء الميت من لحمي والذي دمرته الرصاصات ... عكفت على إخراج بعض الطلقات القريبة بينما تركت ما غاص منها في جسدي ... بدأت في إعادة بعض من عظام جمجمتي ... لكنها تدمرت تماما ... التقطت بقاياها, وطوحتها بعيدا في لا مبالاة واضحة اعتدتها في مثل هذه المواقف ...ثم توجهت إلى حطام ذاك الروبوت ...

اقتربت منه ... إنه يتحرك في تشنج ... يبدو كما لو كان يجاهد للبقاء حيا ... حيا؟؟ يالها من كلمة تطلقها على ذلك الشئ ذي القلب المعدني ... رأيته ... نعم ... إنه يحاول الوصول إلى شريحة التيتانيوم خاصته ليتخلص منها بسرعة ... تمتد يده الالكترونية المشوهة ... ترتجف بشدة ... أمن الخوف أم الدمار؟ ... لكن هيهات ... أخرجت مسدسي الصغير ... لا أستخدمه كثيرا ... فلا يحوي إلا 100 طلقة ...أطلقتها ... أفرغتها في تلك الصفيحة المعدنية ... في ذراعيه ... في جسده ... في ساقيه ...

الوغد يتحرك تحت وطأ رصاصاتي وكأنه يتألم ... يتشنج كأنه يحس ... لولا أني أعرف أنه آلة لأقسمت أنه يتعذب ... بل إنه فعلا يئن ... فعلا يتذلل ... لكني لا أسمح له بالنطق ... حتى لو نطق بعربية فصحى ... صوت رصاصاتي يصم آذان شعوب الواء واء في جبال الهيمالايا ... تكة أخرى ... ومئة رصاصة أخرى ... وجثة معدنية أخرى ...

مددت يدي إلى شريحة التيتانيوم ... آخر ما تبقى منه ... ووضعتها في جيب سترتي حيث أجمعهم ...

طالعت المنظر ... ذاك المنظر المبهج ... دماء وجثث ... بقايا آلات ... حطام مركبات ... إنها الحرب كما تحبها يا صديقي ... أن تقف أمام جيش جرار وقوة لا تقهر ... وتخرج من بينهم وقد أصبحوا رمادا يتذاكره الماضي ... وبقايا من يوم يكتبه لك التاريخ في كتابك الدموي ... إنها لحظات النشوة بالنصر ...

طالعت الأفق ... لألمح عشرين مروحية حربية من طراز "نيون" متجهة نحوي ... كسرب نمل يجتمع على قطعة حلوى بللها طفل رضيع بريالة محترمة ...

ابتسامتي التي لا تفارقني ... سترتي التي أتدثر بها ... "حسونة" حبيب قلبي ... استيقظوا ... فلدينا صحبة كتب لهم ألا يروا ضوء النهار بعد ذلك ...




Sunday, September 14, 2008

عارف الإحساس ده ؟؟؟

عارف الإحساس ده ؟؟؟


لما المروحة تتعطل بليل ...

وتقوم من النوم العرق مغرق جتتك الطاهرة ...

والعماص لازق في عينيك بصمغ أمير محترم ...

وتخش الحمام عشان تاخد دش ينعنشك ...

تفتح الحنفية ... ومعاها تفتح دراعك ... عشان تستقبل رذاذ الميه المتلج في خلقتك ... و .......................... الميه مقطوعة !!


عارف الإحساس ده ؟؟؟


لما تقعد تشتغل وانت مطحون على الآخر ...

وتفضل تاكل في وجبات سريعة عشان تلحق تخلص الشغل ...

وفجأة ... ينقح عليك نداء الطبيعة ...

فتقاوم ... وتعاند ... وانت عارف إن دماغك أقدم من نعل الخديوي كركوب ... وتصمم على إنك تكمل شغلك الأول

الحالة بقت صعبة ... خلاص هتوصل لمرحلة اللا إرادية

تجري على الحمام ... وتخش ... وتفتح الميه و ...................... الميه مقطوعة !!!!


عارف الإحساس ده ؟؟؟


لما تقعد تاكل أكلة سمك ...

وتلغوص فيها براحتك ...

وريحتك من تنتوفة شعرك لحد ضفر صباعك الكبير تبقى كلها سمك ...

وواحد صاحبك يهزر معاك بإيده الزفرة ... وتهزر معاه ... لحد ما تبقوا انتو الاتنين حاوية عفانة متحركة ...

وتفتكر إن عندك معاد دلوقتي مع خطيبتك ..

فتجري بسرعة عشان تغسل إيدك ... وتفتح الحنفية بسرعة عشان تلحق و ........... الميه مقطوعة !!!!!!!!!!


عارف الإحساس ده ؟؟؟


لما تخبط مشوار في عز الحر من عين الصيرة لأكتوبر ...

وتكتشف إنك نسيت مفاتيح المكتب في البيت ...

فترجع تدب المشوار ... وأمك تقولك طب ريح شوية قبل ما ترجع الشغل ...

لكن نعل الخديوي المبجل يشتغل في دماغك ... وتقولها هبقى آخد دش عند واحد صاحبي وأبقى تمام ...

وترجع تاني المشوار ده كله ...

وتروح عند صاحبك وانت مش طايق ريحة اللي جابوا العفانة ...

وتخش الحمام ... وتفتح الدش وتحط دماغك تحته ... وتستمتع بقطرات الماء الساخنة

وبعدين صاحبك ينادي عليك من بره :

يابني ... الميه طلعت قاطعة في أكتوبر كلها

فتفاجئ أن تلك القطرات ما هي إلا تسريب من حمام الجيران اللي فوق وإن ............. الميه قاطعة !!!!!!!!!!!!!!!!!


عارف الإحساس ده ؟؟؟


لما تقرر إنك شخص بيتحكم في أعصابه ...

وميهموش كلام الناس ...

ومش مهم ريحتي المعفنة ...

ومش مهم أخش أعمل زي البني آدمين ...

وفجأة ... تلاقي في اجتماع حالا في الشغل ...

تخش ... وجوه ... تبدأ كل تلك الكتل في الضغط عليك ...

الضغط بيزيد .. وانت مش عايز ... مش هينفع هنا ... مش هقدر ... مش .........

الدنيا كلها هوس .... إلا من ذلك الصوت المتتابع الذي يصدر منك ... والكل ينظر إليك في تقزز أو تعاطف أو شماتة أو لا مبالاة ...

تقوم زي الأهبل ... وترمي نفسك من الدور العشرين ... عشان ترحم نفسك ... تنزل على دماغك ...

ولحظك المنيل يلاقوك لسه عايش ... ويحاولوا إنقاذك ... ياخدوك المستشفى ... الدكتور يجري ... يروح عشان يغسل إيده و ..... الميه مقطوعة !!!!!!!!!!!!!!!!!!


عارف الإحساس ده ؟؟؟


لما تبقى وحيد في عنبر الخطرين ...

والحكومة بنفسها تقرر نفيك خارج البلاد لخطورة وضعك ...

تقوم بقرف وانت مش مهتم بالتلفزيون ولا بالأخبار ولا بالعالم المجانين اللي بره ....

تفتح إزازة الميه وترفعها عشان تشرب وترتوي و ............... الميه قاطعة !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!


عارف الإحساس ده ؟؟؟


أنا عارفه بقى .................



Wednesday, September 10, 2008

عـــــــــــــــاوز شقـــــــــــــــة

القصة دي شاركت بيها في مسابقة على أحد المنتديات الطلابية ... النتيجة لسه مظهرتش حتى لحظة كتابة الموضوع في المدونة

المهم إنها تبسطكو ... وتفكركو أيام ما كنتو عاوزين شقة ... مع إني أعتقد .... إنكو لسه عاوزين

---------------------------------

عـــــــــــــــاوز شقـــــــــــــــة



وقفت أعدل من هندامي مبتلعاً ريقي بصعوبة وأنا أتطلع إلى هذا الباب أمامي والذي يحمل لوحة ضخمة تبدو ذات ثمن باهظ من فحوى عبارتها "قسم الوحدات السكنية بجهاز المدينة" , ابتلعت ما تبقى من ريقي بصعوبة أكبر وأنا أجزم أن بحيرات فيكتوريا كلها لن ترطب فمي الجاف من التوتر .... طرقت على الباب بهدوء ممزوج بالتردد .... ثم انتظرت ... ولكن لا رد !!


طرقت مرة أخرى بصوت أعلى .... لا رد .... رفعت صوت الطرقات قليلا لأفاجأ بسرينة إسعاف :

- ما قلنا خش يا عم الحاج .... انتو طرش ولا إيه ؟؟؟؟

تراجعت في خوف وأنا أستعد لأطلق ساقي لرياح الخماسين لولا أن عبر بمخيلتي طيف خطيبتي وأهلي ومستقبلي و الشرف والواجب والأمانة و ..... حسناً, لا بد من المحاولة .... نفس عميق آخر ثم دلفت إلى الداخل ...



لمحت في سرعة ثلاثة مكاتب ... على أولها جلست امرأة في أواخر الثلاثينات أو الخمسينات - حسنا أنت تعلم كيف هو من الصعب تخمين سن امرآة على وجه الأرض – ممسكة بموبايل وهي ترغي بسرعة الصوت , وعلى المكتب الثاني الموظف الحكومي المثالي بنظارته الأنيقة ونظرته التي تجمع بين اليأس والغل والسادية وكوب الشاي العروسة إياه , وموجهاً بصره إلى المكتب الثالث متظاهراً بالاستماع إلى ذلك الموظف الشاب الذي يتكلم عن فساد التعليم وضياع الفرصة في الوظائف والحكومة والمعارضة والانتخابات والماتش وسونيا بتاعة الليمون ...



فكرت في جزء من عشرة أجزاء من الثانية بسرعة يحسدني عليها أدهم صبري نفسه , وخمنت أن الموظف الشاب سيكون أكثر تفهما لوضعي ... توجهت نحوه وأنا أرسم ابتسامة الموناليزا وأقول :

- السلام عليكم ... لو سمحت انا كنت بسأل عن الــ ....

قاطعني بإشارة من إصبعه نحو عشماوي ... أقصد الموظف السابق ذكره وهو يردد :

- أي حاجة اسأل الأستاذ عبد المتجلي .... هوه هيفيدك أكتر ...

حاولت استعطافه :

- بس أنا بسأل على موضوع إسكان الشباب اللي ....

قاطعني بصوت هادر :

- يا أستاذ يا محترم قلتلك روح المكتب ده .... ده أهوه اللي هناك ... متحسسنيش إنك هتخبط مشوار لرمسيس ... إنتو هتقرفونا في عيشتنا ليه ؟؟؟

"آه يا بن الإيه ... اومال إيه الحكومة والتعليم والشهادات .... ده أحسن حاجة أبلغ عنك أمن الدولة ييجو يظبطوك "

هتفت بالكلمات في سري في حنق ورمقته بنظرة بغض وكره تكفي لتلويث عيد الحب ثلاث سنوات متتالية ... وتوجهت إلى مكتب الموت ... أقصد مكتب عبد المتجلي بيه ...



رسمة موناليزية أخرى .... مع تحية ظريفة :

- السلام عليكم ... صباح الخير يا جميل ....

- .............................

- كنت قاصد حضرتك في خدمة يا عبد المتجلي بيه

- .........................

- هوه حضرتك سامعني ؟؟؟

- ..........................

- لا حول ولا قوة إلا بالله .... الراجل مات يا جدعان ... مات وهوه بيأدي واجبه الوطني ... مات وهو بيحمل رسالة ... هي دي مصر ... وهما دول رجالة مصر... ولو لم أكن ...

صرخ في الموظف الشاب :

- لو لم اكن إيه ووددت إيه يا عم مصطفى كامل .... فوق بقى وبطل التربتيتة اللي انت بتعملها دي ... بدل والله ما أناديلك الأمن يرميك في العباسية نفسها ...

- بس ... بس ... الراجل بجد مبيردش ... لا يكون حصله حاجة

- حصله إيه بس الله يخرب بيتك ... هوه بس تلاقيه مهنج ...

- مهنج ؟؟ !!!!

- هز كوباية الشاي اللي في إيده وهتلاقيه فاق وبقى معاك زي الحلاوة ...

مددت يدي في توتر كمن هو على وشك نزع فتيل قنبلة نابالم ... وبيد مرتعشة هززت الكوب و ....

فجأة تحرك عبد المتجلي والتقط القلم ثم نظر إلى عيني مباشرة و .... :

- حيوان معندوش دم وبينام بالنهار بيتكون من أربع حروف ...

- نعم ؟؟؟؟

- قصدك نعامة .... بس ده طائر مش حيوان ...

لمحت الجريدة والكلمات المتقاطعة فأدركت كل شئ .... ضغطت على أعصابي بجزمة فولاذ وقلت :

- لو سمحت يا أستاذ عبد المتجلي ... تسمحلي أقطع وقت سعادتك الثمين .... وأستأذنك في كام سؤال ؟؟؟

- يووووووووه .... هوه احنا مش هنرتاح خالص في الشغلانة الهباب دب ؟؟؟

- معلش يافندم ... كلك ذوق وأنتكة .... استحملونا ... شباب صغير بأه ...

- شباب صغير ؟؟؟ .... طب قول يا عم الكتكوت .... عايز إيه ؟؟؟

- كنت بسأل يعني على وحدات الإسكان للشباب ....

- ثواني يا محترم ... أبصلك في الدفاتر إيه "المتواجد"

بينما يبحث الأسطى في عدته ... أقصد الموظف في دفاتره ... استرقت نظري إلى موظفة المكتب الأول .... ما شاء الله ... لسه بتتكلم ... أمنية حياتي أن أعرف من أين يأتون بهذا الكم من المواضيع ؟؟؟

قطع أستاذ عبد المتجلي أفكاري وهو يقول :

- للأسف يافندي .... مفيش

رددت ببلاهة :

- مفيش إيه بالضبط ؟؟

- مفيش عيش ... مفيش بنص جنيه فول ........ أكيد بقولك مفيش شقق ... خلاص ... بح ... فنشنا ...

- ازاي يافندم .... ده أنا لسه قاري الإعلان وبيقول ...

- وحدات سكنية للشباب ..... عارف .... بس خلصت ...



وقفت مسبهلاً وكأن على رأسي طائر العنقاء ذاته .... ولعابي يكاد يتساقط من فمي في بلاهة ... خلصت ازاي ... الإعلان قرأته من يومين فقط .... والحل ؟؟؟ .... والعمل ؟؟؟ ... والـــ ....



- الله يا أستاذ عبد المتجلي .... متفرفش شوية ...

التفت إلى صاحبة الصوت ... كانت الموظفة وقد انتهت من عصر التليفون ومص دماغ من على الطرف الآخر .... وهي تكمل :

- ما تبحبح على الراجل شوية ... دول لسه شباب صغير ... زي تامر ابنك كده ...

وأشارت إلى الموظف الشاب الذي كان يغط في نوم عميق .... "بقى كده ... دول عصابة ومقسمينها بقى"

أكملت شهرذاد ... قصدي الست الموظفة :

- تعالى هنا يابني ... أنا هخلصلك الموضوع ...

تهللت أساريري وأنا اتوجه نحوها في عجلة ... وشلال من الشكر يخرج من فمي :

- ربنا يكرم أصلك ويعمر بيتك ... مش عارف أشكر حضرتك إزاي ... أنا ممتن جدا ... ربنا يكتر من أمثالك ...

- على إيه يابني .... ده شغلنا ...

- يا سلاااااااااام ... وكمان تواضع .... ياريت ستات مصر كلهم زيك .... مكناش هنستورد حنان من بره خالص

- حنان اتجوزت

- ما نا قلت برضه البت دي لازم ترسى وتعقل شوية

- نعم ؟؟؟

- ولا حاجة ... حضرتك قلتي إنك ممكن تخلصيلي الموضوع ...

- أيوه .... في كام شقة كده بيبقوا هنا ولا هنا ...هشوفلك واحدة

- ياما انت كريم يا رب

انكبت على حاسبها لتقوم بالبحث وأنا اطرق على المكتب في توتر وأنقل بصري بين عبد المتجلي "اللي شكله هنج تاني" وبين تامر تيتو ننوس عين أمه والريالة تنزلق من فمه مغرقة سطح مكتبه ...

- لقيتها ....

التفت في سرعة :

- بــ .... بجد

- أيوه .... سكن لمحدودي الدخل ...

- كمان ... يعني أسعار لذيذة ...

- المساحة 62 م مربع

- مش مهم ... أهي أي حاجة على ما تفرج

- المقدم 50 ألف جنيه ....

- إيه ؟

- القسط 850 جنيه شهرياً ...

- إيييههه؟؟

- بزيادة 30% كل شهر .....

- إييييييييييييييييههههههههههه ....

لم أنتبه كيف كانت الـ "إيه" الأخيرة عالية إلا بعد أن وجدت رسالة على موبايلي من أختي في فرنسا "بتطمن عليا عشان سمعتني بزعق" ...

تمالكت ما تبقى من بقايا أعصابي المحترقة وأنا أقول :

- إيه الأرقام الخرافية دي ؟؟ واسمها لمحدودي الدخل ؟؟ ... دي لحرامية الدخل ...

- هي دي الأسعار اللي موجودة ...

- طيب مفيش حاجة تانية يا .....

- عفت

- يا مدام عفت

فجأة ... تجمدت أصابعها على الكيبورد ... ونظرت إلى بعينين محشرجتين ... وصرخت ..:

- مدام إيه جاك ستين مو في عيشتك .... أنا مادموزيل يا محترم ...

- بس النوع ده خلص من السوق من زمان ...

- نعم ؟؟؟؟

- لا .... قصدي ... أنا آسف ... معلش .... حقك على دماغي من فوق يا آنسة ...

- عالم بجحة ...

رددت في سري " عيشي على قفايا ... تلاقيكي راسمة على البوي فريند بتاعك"



عادت الأستاذة تبحث من جديد .... وراحت تمرر أصابعها ببطء شديد كمن لا يزال يتعلم النقش على جدران المعابد ... ثم التفت إلي :

- للأسف مفيش حاجة تانية ... هوه ده كل اللي موجود ...

اجتمعت كل ملامح الحزن والكآبة كما صورها فيلم البؤساء على وجهي وأنا أكلم نفسي :

- طيب أعمل إيه دلوقتي ... أفسخ الخطوبة ولا أدور على تلات شغلانات بعد الظهر ولا أنفض لأم الجواز ....

- هوه ....... احتمال في حل ...

انتفضت بسرعة وأنا أمسح عماص الحزن من عيني وأردد :

- بجد بجد يا مدا ....

نظرة متوعدة من عينيها أرجعتني إلى صوابي ....

- قصدي ..... يا مادموزيل آنسات جميلة جميلات الجيارة ؟؟؟ بجد ؟؟؟

انتشت بهذا التعبير الفلسفي المجرد وردت :

- أيوه .... في شقة 92 م

- جميل ... بس دي أكيد هتبقــ ....

- ومقدم 25 ألف

رددت في شك :

- والقسط ؟؟؟

- حاجة عبيطة .... 180 جنيه بدون زيادة ...

كدت أقفز من مقعدي لألتصق في السقف كسبايدر مان .... ووضعت يدي على قلبي لأجده يسابق أحد فهود شيتا في أحراش أفريقيا ... وتكلمت وأنا غير مصدق ...

- بجد؟ .... بجد بجد؟؟ .... ولا .... بجد ؟؟؟

- أيوه بجد (مع ابتسامة أموية لطيفة)

- يا الله .... يابركة دعاكي يا حاجة ....

- بس ....

تلاشت ابتسامتي .... وتنحت عيناي .... وبدأ خدي في إصدار حركات عصبية ....

- احم .... بس .... إيه؟

مالت ناحيتي كمن سيهمس لي بسر اغتيال كينيدي ... وقالت :

- انت عارف يعني .... لازم تراضي الناس

- ناس مين ؟؟؟

- ما هو أنا مش هعرف أجيبلك حاجة لقطة كده إلا لما أأكل الناس اللي حواليا

- آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآه .... ماشي ماشي .... طيب إيه المطلوب ؟؟؟

- يعني .... عشرين لكل واحد ...

- ومعاكو البرطة اللي ملوش لزمة اللي اسمه توتي ده ؟؟؟

- أيوه طبعا ... عشان يغطي معانا ...

زفرت في قرف ... ومددت يدي في جيبي وأخرجت ستين جنيها ووضعتها أمامها وأنا اقول :

- حلال عليكو ....

تراجعت عفة فجأة وهي تنظر إلى في دهشة ... ثم "رقعت" ضحكة من ضحكات الستات إياها :

- إيه ده يا أستاذ ...

- الله ... الستين جنيه اللي حضرتك قلتي عليهم

- ستين جنيه إيه ؟؟؟ .... أنا قصدي عشرين ألف لكل واحد

- ......................

- يعني ستين ألف جنيه ....

- .................



نظرت مسبهلا .... مسبهلاً فعلاً .... وأحسست كأنما كلمة Game Over تلوح أمامي على الشاشة ... وبدأ فكي في السقوط ...

- في إيه يا أستاذ ... ؟؟؟

قمت من مكاني ...

- يا أستاذ ....

توجهت ناحية مكتب عبد المتجلي أفندي وصوت عفت يردد :

- إنت يا محترم ... أنا مش بكلمك ...



هززت كوب الشاي الخاص بأستاذ عبد المتجلي .... فلمعت عيناه وبدأ بالاستجابة ... فبادرته :

- حضرتك بتسأل عن حيوان معندوش دم وبينام بالنهار بيتكون من أربع حروف ؟؟؟

رد في سعادة :

- أنت عرفته ولا إيه ؟؟؟

- أيوه ..... موظف ...


( مع كامل احترامي واعتذاري للموظفين الشرفاء )