Sunday, August 30, 2009

أمنيات ... نيولووك

" أمنيات نيولووك "
--------------------------

حمدي أفندي ... ذاك الرجل البسيط ... البسيط جدا ... بسيط لدرجة أن البساطة تبرأت منه ووضعته في خانة "أبسط من البساطة" ... في أواخر الأربعينات, أو قبل الخمسينات بشوية فكة ... يرتدي نظارات "قعر كوباية" أصبحت جزءا لا يتجزأ من وجهه ... وهو – رغم بساطته – متزوج من سيدة تعود أصولها إلى عائلة هولاكو, الفرع الدموي منها ... ويملك "أورطة عيال" تملأ عليه حياته صراخاً وعويلاً ...

يبدأ صباحه بالاستيقاظ المبكر صباحا, للحاق بعمله الحكومي العتيق, ويجلس على مكتبه كأي موظف تقليدي يحل كلماته المتقاطعة التقليدي ويتناول كوب شايه التقليدي بينما يحرص أشد الحرص ألا يخرج عن هذه التقليدية بشبر واحد ... ثم يعود إلى منزله ليدأ حراً جديدة في شقته يحاول فيها أن ينال لقمة ما من بين هذه الأفواه وأن يحظى بمرتبة يرمي عليها جتته ليبدأ في اليوم التالي نفس المشوار ... ونفس الحياة ... ونفس التقليدية ... حاجة آخر ملل!!

-------------

وفي أحد أيام عودته من المنزل, وبينما يقف على المحطة مستسلما ... وصل إلى مسامعه صوت ينادي :
"وعندك الفانوس السحري ... الفانوس الذري ... الفيرجين الجديد من فوانيس المرحوم علاء الدين ... خدلك واحد وحققلك تلات أمنيات ... قرب يافندي ... قربي يا مدام"

اقترب حمدي في حذر من الرجل ... ثم سأله : بكام البتاع ده يا كابتن ؟
التفت له الرجل في غضب, وبصله من فوق لتحت مرددا :
كابتن ؟ ... شايفني واقف بجيب إجوان في أبو تريكة ؟
أبو تريكة مين وإجوان إيه ؟؟؟ ... بقولك بكام البتاع ده يا جدع ؟
أعاد البائع نظرته المسوحية الشاملة ... ثم رد بأنفة :
امشي يا ريس ... مببيعش حاجة للناس البيئة ...

اتسعت عينا حمدي، وزفر وزغر، وغلى رأسه واحمر كأفلام توم وجيري ... ثم أخرج موسا من بين طيات لسانه كأجدع بلطجي, وانقض على الرجل واضعا الموس على رقبته وهو يهتف :
عاملي فيه ابن خواجة ؟ طب إيه رأيك هاخد واحد من البتاتيع دي ... ومن غير فلوس كمان ...
ظل ذاك الرجل محافظا على كبريائه بالعافية، وريالة حمدي تغرق وجهه فتحيله ترعة مريوطية جديدة، ثم ناوله واحدا من الفوانيس مردداً:
يحرق، يلعن، يودي، يجيب ... عشان كده قلت عالم بيئة ... ده إيه القرف اللي الواحد عايش فيه ده ... خد واحد اطفحه أهوه ...

تناول حمدي الفانوس بعنف, ثم دفع بالرجل بعيدا ... وفجأة لمحت عينه الخبيرة لوحة أتوبيس 87 بشرطة, فانطلق كالمجنون متجاوزا كل الحواجز البشرية حتى صعد الاتوبيس ويداه تقبض على الفانوس في اهتمام واضح يذكرك بـ "جولم" في "لورد أوف ذا رينجز"

وصل حامد إلى البلوك الذي يقطنه, صعد مسرعا, ثم وقف أمام باب شقته, تلفت يمنة ويساراً ليتأكد من خلو الطريق, فتح الباب وما إن دخل حتى ...
"بابا جههههههههههههههه"
فوجئ بأبناءه الخمسة يقفزون عليه جميعا ما بين حضن وشكوى وعضة وطلب, فما كان منه إلا أن تناولهم بالشلاليط واللكميات واحدا بعد الآخر مرددا :
غور ياض انت وهوه من هنا ... دانتو خلفة هَنَا"

رفع رقبته كديك ينوي الصياح, ثم صرخ منادياً زوجته بصوت يشبه سرينة الإسعاف :
انتي يا ولية ... خدي ولادك دول من هنا, بدل ما أروحيك بيهم على بيت أبوكي عدل"
فجأة لمح تلك الكتلة التي تزوجها قادمة من المطبخ مرتدية إيشارب عتيق من أيام أحمس وتضع بارفان "إف يع إتفو" متناولة في يدها سكينا حاداً وهي تزمجر :
في إيه يا جدع انت ... صوتك عالي كده ليه ؟
ما إن لمح حمدي أفندي السكين حتى ازدرد ريقه في صعوبة وهو يتمتم :
أبدا .. مفيش ... كنت بقول فين قمر حياتي ؟
رد ابنه السفروتة في سرعة : لأ يا ماما, ده كان بيقول ....
أسكته حمدي بشلوت محترم تلته صفعة صاروخية وهو يصرخ :
اسكت يا قليل الحيا ... يعني ابوك بيكدب ؟؟؟ .... قلة أدب صحيح
ثم التفت إلى جودزيلا ... احم ... أقصد زوجته وسألها :
عاملة إيه على الغدا النهاردة ؟
ملوخية
أورديحي ؟
أكيد ... هوه انت جبت حاجة .. اطبخي يا جارية كلف يا ...
خلاص خلاص ... جتنا ملوخية في حظنا اللوبيا

-------------

دخل حامد أفندي غرفة النوم، وأوصد بابها خلفه ... وهو يردد في نفسه "اصبر يا واد يا حمدي، كلها شوية وهتغرق في طبق فتة باللحمة والبط وتعيش في عز ونغنغة"
همّ حمدي أفندي بدعك المصباح كما يفعل علاء الدين, لكنه فوجئ بلوحة أرقام الكترونية معلق بجانبها لوحة إرشادات تقول
( خدمة الفانوس السحري .... إذا أردت طلب عفريت المصباح من فضلك اضغط على 333, أما لو كنت ترغب بترك رسالة للأخ العفريت فاضغط على 555, وفي حالة وجود شكاوى نرجو مراسلتنا على أرض العجايب عمارة الواد الجني شقة سالب أربعين, أو على موقعنا دابيو دابيو دابيو عفاريت دوت جن, مع تمنياتنا بأمنيات متعفرتة )

أسرع حمدي يضغط "التلات تلاتات" في لهفة، ولكنه فوجئ بصوت يرد :
الأخ العفريت مش موجود دلوقتي, بس تقدر تبعتله مني كول بصوتك بعد سماع صوت الصريخ
أحس حمدي بالإحباط, لكنه قرر المحاولة مرة ثانية وثالثة .... وبعد مرور ثلاث ساعات من المحاولات والصريخ ... رد عليه صوت آخر :
العفريت حضر ... برجاء وضع الفانوس على الأرض والرجوع خطوتين للخلف مع ارتداء حزام الأمان وقفل السوستة ..
تراجع حمدي للوراء بعدما وضع الفانوس على الأرض, فبدأ دخان ملون بالتصاعد تصاحبه موسيقى راب وأضواء الديسكو ... وفجأة, ظهر من بين الدخان عفريت يرتدي بدلة لوكس ونضارة شمس بوليس ...

صرخ حمدي بفرحة : عفــ ... عفــ .. عفريت بيه ؟؟!!!!
نظر له العفريت نظرة لا مبالاة, ثم أخذ يلف بعينيه في المكان مرددا :
ياي ... إيه المستوى البيئة ده ... يخرم جيبك يا فنكش, قولتلك متبعينيش للناس الموبوءة دي
كان حمدي مسبهلا بما يراه, فلم يبد أنه قد سمع تلك الكلمات, ثم صاح :
يا عم العفريت ... ممكن تحققلي اللي أنا عايزه ؟
في قرف رد عليه العفريت :
ماشي ماشي ... خلينا نخلص من الليلة القرف دي
ثم أخرج بضعة أوراق من جيبه ناولها لحمدي أفندي وهو يقول :
اكتب في الورقة دي اسمك، وسنك، ومرتبك، وعندك كام عيل، وكام عربية, وكام واسطة، وكام ...
حيلك حيلك حيلك ... إيه ده كله ؟ ... انا موظف غلبان بـ 180 جنيه و 24 قرش وبدل شحاتة في الشهر
اتسعت عينا العفريت في دهشة وهو يرد :
كمان ... دانتا في الضياع، حالتك أوت أوف سيرفيس .. سوري يا باشا ... أنا مشغول ومش فاضي لشغل العيال ده
أخرج حمدي الموس المستخبي في غضب صائحاً :
شكلكو كده شلة نصابين وقطاع طرق ... أنا هعرف آخد حقي تالت ومتلت منكو

فجأة، لف العفريت حول نفسه خالعا بدلته لتظهر فانلته الحمالات التي يبظ منها الشعر, وأخرج مطواة قرن غزال تصنيع شبرا مشوحا بها وهو يردد:
لأ ... اوعى تفتكر إن احنا خيخة, داحنا صيع, احنا اللي دهنا الهوا زبدة بلدي, دانا أصيع واحد في عزبة شَكَل يا ريس, أسنجفك إنت وعشرة زيك
أدرك حمدي أنه الخسران في النهاية, وأنه سيضيع على نفسه فرصة الأحلام, فأخذ يهدئ من روع العفريت ويطيب خاطره بكلمتين ... ويبين له إن الفقر ابن ستين في سبعين هوه اللي خلاه عصبي كده ...

استعاد العفريت هدوئه ووقاره, ومارس بعض يوجا الريلاكسيشن عائدا إلى بدلته الفخمة مقدما الأوراق من جديد لحمدي قائلا :
طب اتنيل املى الاستمارة دي .. ده لو لسه فاكر اسمك
بدأ حامد في ملئ الاستمارة التي لا تقل بيناتها المطلوبة عن البيانات المطلوبة من طيار جوي سيشترك في وحدات الاستطلاع بزيمبابوي, وفي آخر الأوراق وجد خانة الأمنيات بثلاث أماكن فارغة, ليضع فيها ما يتمناه ...

----------------

انتهى حمدي من ملئ الاستمارة وقدمها إلى العفريت, فتناولها بقرف, وقرأها, ثم ردد :
أمنيتك الأولى شقة واسعة ... سليم ؟
سليم
يعني يا أذكى أخواتك أنا لو اعرف أجيب شقق كنت لقيتني لسه عايش في الفانوس الكحيتي ده, ده أنا لسه ما استلمتش شقتي من الجهاز ... جزاءاً لغبائك المزمن، الأمنية دي اتحرقت عليك
فتح حمدي أفندي فمه مذهولا والعفريت يتابع :
الأمنية التانية, عربية آخر موديل ... هوبا .. ألف مبروك يا ريس, عربيتك راكنة تحت البيت
لم يصدق حمدي نفسه, وطار على الشباك ليجد أمام البيت عربية كارو مارو "زق معايا", وحمار حصاوي فشلة يستلزم إطعامه جزيرة كاملة من البرسيم ...
التفت حامد في صدمة وهو يقول :
بس يافندم ... العربية ...
خلاص خلاص ... مش لازم تشكرني يابني ... ده شغلي برضه
ثم اعتدل مستطرداً:
الأمنية الأخيرة ... تتجوز أجمل واحدة في الدنيا ... ممم الموضوع صعب حبتين تلاتة
ثم اقترب من أذن حمدي هامسا :
بس أنا ممكن أريحك من الولية اللي معاك دي, خد المسدس ده ... وبالليل وهيه نايمة جنبك ... طاااخ ... ولا من شاف ولا من دري
ثم اعتدل في سرعة مربتا على كتفه قائلا :
شكرا على تعاونك معانا يا حمدي أفندي ... مصر كلها فرحانة بيك

فجأة, تلاشى العفريت مخلفاً وراءه بعض الدخان الملون وموسيقى الراب إياها ... تاركاً حمدي في حالة ذهول أشبه ببطة اكتشفت أن أمها ديك كبير.
استفاق حمدي على صوت ازيز متصل يخرج من الفانوس, تلاه خروج ورقة صغيرة, التقطها حمدي ليجد مكتوبا فيها :
( شكرا لاستخدامك خدمة أمنيات نيولوك, أنت مدين لنا بمبلغ 50 ألف جنيه نظير خدمتنا المتميزة, سيتم إرسال مندوبنا لتحصيل المبلغ أو الحجز على ممتلكاتك وبيعك في مزاد علني, مع تحيات الفانوس السحري للخدمات )
كان هذا أكثر مما يحتمله حمدي أفندي ... الراجل اللي أبسط من البساطة ... لذا, فقد رفع المسدس إلى فمه و ..... ضغط الزناد

-----------------------

دخل العفريت على غرفة مديره في مكتب العمليات وهو يردد :
بقولك باشا ... ياريت نلحق نبعت الورق ده للمسئولين عشان ينبسطوا
رد المدير في بهجة :
انت عملتلنا أوردر جديد ؟
رد العفريت في فخر :
أكيد يا ريس ... الراجل دلوقتي زمانه مشرف في جهنم
دانتا عفريت ياض يا عفريت
عيب يا باشا ... دانا تربيتك
لأ ... انت تربية أباليس

وارتفعت ضحكاتهما عالياً .....


- تمت -


3 comments:

  1. انا فاكرة اني عملت كومنت هنا راح فين

    ReplyDelete
  2. ياااه يا حاج يوسف :D

    رغم سخرية القصة لكنها لا تخلو من عبرة ...

    ربنا يبارك فى كيبوردك :D

    ReplyDelete

كومنت ع التهييسة